في قصّة يُوسف أشكالٌ من المواساة تحتضن المؤمن من اتجاهات حسّاسة وشديدة التأثير فيه. مواساة تجاه غدر المقرّبين، ومواساة تجاه الهوان على الناس، ومواساة تجاه فتنة النساء وكيدهن. في باب الغدر يجدر بنا أن نستشهد بهذا البيت الموفّق من الشعر النبطي لـ ياسر التويجري: كل طعنة تجي من كفّ أخوك الصديق..تعتبر بـ أي موضع من …
كُرسي المراهقة
أجلس يا ولد.. صاح المعلّم رافعاً صوته وملوّحا بالعصا. أنا رجال يا استاذ.. رد عبيد المراهق بصوتٍ جهوريّ! لم تعد تخيفه العصا، ولم يضطرب لصراخ المعلّم قلبه، وكأن شعرات شاربه ودقنه اللاتي برزن مؤخراّ كانت بمثابة الوتد في ريح عاصف. استقر بجسده فوق ظهري الأحدب. لقد رافقته خلال الأعوام الثلاثة الماضية وشهدت تضخّم أعضائه وثخونة …
عاميّة
استيقظ على رنين هاتفه تنناني تنناني تننانينااااي.. هلا أبو غازي“هلا أبو مفلح، شلونك طيب”تمام، قالها متثاقلا، استرق نظرةً الى الساعة، يبدو انها كانت قيلولةً أطول من المعتاد.“أبيك تستلم عني بكرة، انا رايح حفر الباطن”أبشر بس عسى ماشر؟“أم غازي على وجه ولادة، اذا جاء ولد اسميه يمكن عليك” ضحك بسخريةلا تسميه عليّ مطفر حتى ماعندي حق …
جداريّة الحارة
أنا الذي كتب المجهول على صدري.. وحرّكت كلماتهُ كلّ من قرأ.. هذا أنا في أقصر تعريف وإن أردت الإطالة، حدثتك عني بإسهاب في النص الآتي: يكون المرء في بداية مراهقته في مجتمع القرية أشبه بالانسان الشفّاف، الذي يمرّ مروراً لا يشعر به أحد. فلا هو ذلك الطفل المدلل الذي يُحتفى به وتُطبع على خدّه القبلات، …
ســارّه
لم يكن لها من اسمها نصيب، بل لم يكن لها من الحياة نصيب.. وهي التي تعيش صراعاً مع أحزانها بينما الناس من حولها فيما بينهم يتصارعون. ملطّخة أكفّ الزمان بدمعها الذي تجففه إشراقة الشمس كل صباح وما أن يلف الأرض الظلام حتى يبتل كل شيء حولها بدمعها الحار. تبكي نفسها وتندب حظّها وتهمهم بين حين …
هاكر
يُعرّف الـ "Hacker" باللغة العربية بـ كلمة لا تصفه بشكل دقيق. إذ نسميّه مخترِق، وهو مفهوم بات مؤخراً مرتبطاً جداً بالفضاء التقني بشكل خاص. بينما الـ "هاكر" فعليّا له حضور في كل الفضاءات من تقنية، وقانونية، واجتماعية، وما شابه. ولنفهم حقيقة هذا الشيء، يجب تعريفه أولاً. فـ كلمة "Hack" باللغة الإنجليزية تعني شيءٌ يسمح به …
كُرسي
صوت الجرس يُنذر الضيوف الجُدد، وبالمقابل تطبطب عليهم أصوات الآباء وأيديهم. يقتاد كل أبٍ ابنه في أول يوم دراسي إلى حيث الفصول الدراسية ويهمس له بين الفينة والفينة: يا بطل، يا قوي، ياولدي. والأطفال بين مصدّق ومكذّب، أحدهم مُرسل دمع عينه والآخر يحبسه على مضض. والبُكاء معدٍ فما أن يجهر به أحدهم حتى تتعالى الصيحات …
منديل:
أصبحنا وأصبح الملك لله.. نهض صاحبنا وتحسس الرخام البارد بباطن قدميه وهو لا يزال يجلس على حافة السرير ونور الشمس يتسلل برفقٍ من فتحة المكيف.. برغم تحفّظه على ضوء الشمس هذا إلا أنه لم ينزعج لهذا التسلل الرقيق بل كان يتوقّعه. وعاد بالذاكرة إلى حيث كانت زوجته تسميت لاقناعه باستبدال مكيف الشباك بمكيفٍ عصريّ يعمل …
مُتخبّط
ابيضّت عيناه من المسّ، وتشنّجت أطرافه حتى كأنها قطع من خشب، وتسرّب لُعابه من على أطراف شفتيه كمن أصابه الصَرع وانعقد لسانُه فلم ينطلق بشيء أكثر من الآهات بعضها يردف بعض. يضمّه شيطانه ضمّةً تشبه ضمّة القبر حتى إذا ظنّ روحه مغادرةً جسده لا محاله، خلّى بينه وبين نفسه. ثم أعاد عليه الكرّة بعد الأخرى …
يدي تحكّني
نستخدم في العامية هذا الوصف تعبيراً عن الرغبة في الضرب، وهو وصفٌ يصدق على كل من رُزق ملَكة البيان وأعطي لوحةَ مفاتيحٍ يضرب على ظهرها بكلتا يديه. أما الأقلام فلا تحتكّ لها الأيدي في هذه الحقبة الالكترونية بامتياز. لا يُعطى المرء قلما هذه الأيام إلا ليمضي به على عقدٍ ويؤكد بنوده. فتجده يموج بقلمه على …
تداعي حُر
الوقوف على الأبواب أمرٌ لا يتقنه الحُرّ وتحمرّ أذناه خجلاً لرؤيةِ إنسانٍ يقف بـ باب إنسانٍ آخر.. هذا في الوقوف على الأبواب، وأعز من ذلك وأشهم قول المتبني في الرحيل: إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا .. أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ يعزّي أبو تمام من ضاق بهم صدر أو أنكرتهم أرض وهمّوا بالرحيل بهذا …
سائِر
تبسّمت له الحياة بادئ الأمر ثم في مطلع شبابهِ وحالما اشتد عوده وبان شاربه كشّرت عن أنيابٍ مسنونةٍ كأسنان الرماح. و مضت تؤرقه وتناوشه حتى إذا استحكمت قبضتها عليه وظن ألا ملجأ يؤيه ولا مخرجاً يطمئن إليه، انبلجت أساريرها، وسار فيها وادعاً مطمئناً كأنه قد نجى، فما أن اطمأن لها وسكَن حتى مالت عليه ميلةً …
ماكِر
أحور العين، سيّء الطالع، نذير شؤمٍ وعلامة حسد كأنه النار تحرقُ كل شيءٍ أتت عليه. ينبّش عن الأخبارِ تنبيش المشرّد عن القوتِ في أماكن المخلّفات، ويشتهي الكذب شهوةَ الحبيب لعناقِ محبوبه، وينفر من الصدق نفور الحمارِ من قبضةِ الأسد. أي قلب مفعمٍ بالخسّةِ هذا الذي يحمل بين جنبيك؟ وأي ضمير هذا الذي إن لم يكن …
يوم العيد
وضع على كتفيه ثوباً جديداً، وتبخّر وتعطّر، ثم مشى إلى مجلس الرجال بهدوء وتأخر.. تشير الساعة إلى العاشرة صباحاً. لا يهم، فهو أعظمهم شأنا وأكثرهم مالا كما يعرف الجميع. ابتدأهم بالسلام ثم استلم المجلس من يمينه، صافح الجميع، بارك لهم بالعيد، افسحوا له في وسط المجلس، جلس والتمّت من على الطاولات أطباق الحلوى واجتمعت على …
أبو مفلح
يستيقظ كل صباحٍ ويعيش داخل فقّاعةٍ من المشاهد والأحداث المألوفة طوال اليوم ثم يعود مثقلا بتلك المشاهد آخر الليل ليسلّم نفسه للمخدّة. كل شيء يراه ويسمعه ويشعر به يقع داخل حدود معرفته المسبقة، فهو يعرف كل البشر في قريته، انطلاقا من أسمائهم وأشكالهم وانتهاءً بشخصياتهم وهوياتهم، ويعرف البيوت والمعالم، ويعرف طبقات المجتمع ومنازلهم، ويعرف الهموم …
حديثٌ عام
يكاد يصيب اليأس معظم الشباب الذين يقرأون السير الذاتية لشخصيات كبيرة من علماء ومثقفين كبار أو غيرهم من الشخصيات التي يُشار إليها بالبنان. وهذه السير الذاتية تسطّر في طياتها رحلاتٍ مضنية من المطالعة والتجربة والضرب في الأرض والعمل المتواصل في تحصيل المنشود والجدية التامة في طلبه. وتلك الرحلات العلميّة أو غيرها هي بلا شك محل …
أيها العامِل إلى أين؟
تمر أذني هموم المترفين من أبناء جيلي. كلهم لا يعرفون إلى أين. ولست أعني بالمترفين هنا أولئك الذين يندرجون من طبقةٍ مخمليةٍ لا يندى على جبينهم عرق ولا تتعب لأحدهم قدم، بل أولئك الشباب الموظفين من الطبقة المتوسطة وأصحاب الدخل الجيّد. فبالنظر إلى الواقع المزدهر، والرواتب العالية، والحياة الفردوسية التي نعيشها نحن شباب هذا الجيل، كان لزاما على هؤلاء أن يُسمّوا مترفين. وهؤلاء ممن خبرت وعاشرت، …
فاضِلة
بلا مال ولا زوج ولا عزوة ولا سند، أضحت تجر الخطا متثاقلة كأن جبلا على ظهرها، وتتقلب على جمر من الغضى كلما وضعت على الفراش جنبها.. تفرك يداً بيد، وتخشى متاعب الغد، وتفتش عن دمعٍ يبلل الخد، فلا تجد.. كالسد وقفت بين صغارها والأذى حتى طال بهم العمر فأذاقوها من سعادات الحياة ماستطاعوا، وهي ترمقهم …
أبو الكراتين
جاءها على استحياءٍ خاطباً، فزَفّ إليها الخبر من لا تثق به حيث لا أماً هناك ولا أبا. ساق إليها الخبر عمّها وولي أمرها. تلبّكت وترددت، ثم لما قلّبت النظر، فإذا بها يتيمة وإذا به يتيم، وإذا بها فقيرة وإذا به فقير، وإذا بها حالمةُ وتائهه وإذا به كذلك.. يشبهها من كل اتجاه.. حتى هوانه على …
فلاح
اجتمعت له الحياة اجتماع الفاكهة على مائدة، فاحتار في ملذاتها ثم تردد واختار. ولا يزال كذلك يختار منها وهي تعطيه، ويسترضيها وهي ترضيه، ويستزيدها وهي تجود عليه.. أمِنها واطمأن لها وخاض بحرها الغدار غير مباليٍ بشيء، حتى وطنه، حتى مجتمعه، حتى أهله، حتى نفسه.. حتى تهاوى ما بينه وبين الناس، وما بينه وبين رب الناس، …
