يدي تحكّني

نستخدم في العامية هذا الوصف تعبيراً عن الرغبة في الضرب، وهو وصفٌ يصدق على كل من رُزق ملَكة البيان وأعطي لوحةَ مفاتيحٍ يضرب على ظهرها بكلتا يديه. أما الأقلام فلا تحتكّ لها الأيدي في هذه الحقبة الالكترونية بامتياز. لا يُعطى المرء قلما هذه الأيام إلا ليمضي به على عقدٍ ويؤكد بنوده. فتجده يموج بقلمه على …

تداعي حُر

الوقوف على الأبواب أمرٌ لا يتقنه الحُرّ وتحمرّ أذناه خجلاً لرؤيةِ إنسانٍ يقف بـ باب إنسانٍ آخر.. هذا في الوقوف على الأبواب، وأعز من ذلك وأشهم قول المتبني في الرحيل: إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا .. أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ يعزّي أبو تمام من ضاق بهم صدر أو أنكرتهم أرض وهمّوا بالرحيل بهذا …

سائِر

تبسّمت له الحياة بادئ الأمر ثم في مطلع شبابهِ وحالما اشتد عوده وبان شاربه كشّرت عن أنيابٍ مسنونةٍ كأسنان الرماح. و مضت تؤرقه وتناوشه حتى إذا استحكمت قبضتها عليه وظن ألا ملجأ يؤيه ولا مخرجاً يطمئن إليه، انبلجت أساريرها، وسار فيها وادعاً مطمئناً كأنه قد نجى، فما أن اطمأن لها وسكَن حتى مالت عليه ميلةً …

ماكِر

أحور العين، سيّء الطالع، نذير شؤمٍ وعلامة حسد كأنه النار تحرقُ كل شيءٍ أتت عليه. ينبّش عن الأخبارِ تنبيش المشرّد عن القوتِ في أماكن المخلّفات، ويشتهي الكذب شهوةَ الحبيب لعناقِ محبوبه، وينفر من الصدق نفور الحمارِ من قبضةِ الأسد. أي قلب مفعمٍ بالخسّةِ هذا الذي يحمل بين جنبيك؟ وأي ضمير هذا الذي إن لم يكن …

يوم العيد

وضع على كتفيه ثوباً جديداً، وتبخّر وتعطّر، ثم مشى إلى مجلس الرجال بهدوء وتأخر.. تشير الساعة إلى العاشرة صباحاً. لا يهم، فهو أعظمهم شأنا وأكثرهم مالا كما يعرف الجميع. ابتدأهم بالسلام ثم استلم المجلس من يمينه، صافح الجميع، بارك لهم بالعيد، افسحوا له في وسط المجلس، جلس والتمّت من على الطاولات أطباق الحلوى واجتمعت على …

أبو مفلح

يستيقظ كل صباحٍ ويعيش داخل فقّاعةٍ من المشاهد والأحداث المألوفة طوال اليوم ثم يعود مثقلا بتلك المشاهد آخر الليل ليسلّم نفسه للمخدّة. كل شيء يراه ويسمعه ويشعر به يقع داخل حدود معرفته المسبقة، فهو يعرف كل البشر في قريته، انطلاقا من أسمائهم وأشكالهم وانتهاءً بشخصياتهم وهوياتهم، ويعرف البيوت والمعالم، ويعرف طبقات المجتمع ومنازلهم، ويعرف الهموم …

حديثٌ عام

يكاد يصيب اليأس معظم الشباب الذين يقرأون السير الذاتية لشخصيات كبيرة من علماء ومثقفين كبار أو غيرهم من الشخصيات التي يُشار إليها بالبنان. وهذه السير الذاتية تسطّر في طياتها رحلاتٍ مضنية من المطالعة والتجربة والضرب في الأرض والعمل المتواصل في تحصيل المنشود والجدية التامة في طلبه. وتلك الرحلات العلميّة أو غيرها هي بلا شك محل …

أيها العامِل إلى أين؟

تمر أذني هموم المترفين من أبناء جيلي. كلهم لا يعرفون إلى أين. ولست أعني بالمترفين هنا أولئك الذين يندرجون من طبقةٍ مخمليةٍ لا يندى على جبينهم عرق ولا تتعب لأحدهم قدم، بل أولئك الشباب الموظفين من الطبقة المتوسطة وأصحاب الدخل الجيّد. فبالنظر إلى الواقع المزدهر، والرواتب العالية، والحياة الفردوسية التي نعيشها نحن شباب هذا الجيل، كان لزاما على هؤلاء أن يُسمّوا مترفين. وهؤلاء ممن خبرت وعاشرت، …

فاضِلة

بلا مال ولا زوج ولا عزوة ولا سند، أضحت تجر الخطا متثاقلة كأن جبلا على ظهرها، وتتقلب على جمر من الغضى كلما وضعت على الفراش جنبها.. تفرك يداً بيد، وتخشى متاعب الغد، وتفتش عن دمعٍ يبلل الخد، فلا تجد.. كالسد وقفت بين صغارها والأذى حتى طال بهم العمر فأذاقوها من سعادات الحياة ماستطاعوا، وهي ترمقهم …

أبو الكراتين

جاءها على استحياءٍ خاطباً، فزَفّ إليها الخبر من لا تثق به حيث لا أماً هناك ولا أبا. ساق إليها الخبر عمّها وولي أمرها. تلبّكت وترددت، ثم لما قلّبت النظر، فإذا بها يتيمة وإذا به يتيم، وإذا بها فقيرة وإذا به فقير، وإذا بها حالمةُ وتائهه وإذا به كذلك.. يشبهها من كل اتجاه.. حتى هوانه على …

فلاح

اجتمعت له الحياة اجتماع الفاكهة على مائدة، فاحتار في ملذاتها ثم تردد واختار. ولا يزال كذلك يختار منها وهي تعطيه، ويسترضيها وهي ترضيه، ويستزيدها وهي تجود عليه.. أمِنها واطمأن لها وخاض بحرها الغدار غير مباليٍ بشيء، حتى وطنه، حتى مجتمعه، حتى أهله، حتى نفسه.. حتى تهاوى ما بينه وبين الناس، وما بينه وبين رب الناس، …

سُعاد

اطل من مكتبي هذا على المكان وأرى حديث الشفاة وتبادل التبسّام بين الموظفين. وكأني بدخولِ هذا المكتب الزجاجي قد فقدت حاسة السمع.. أرى كل شيء وكل شيء يراني.. بينما ينزع هذا الحاجز الزجاجي الشفاف عن أذني حاسّتها.. سيذهب الجميع إلى الجحيم، أنا المدير، ومالا أسمعه بأذنيّ هاتين، ستنقله إلى مسامعي أذني الثالثة "سُعاد". لم استقطبها …

يعقوب

هو أول من يستلُّ سكينه طمعا في سقوط بعيرهم، ويودّ لو أعقبهم على محارمهم فانتهكها. يحب الرذيلة وينشرها، وتستفزه الفضيلة ويحسدها. وليس للمنكر في نفسه ضميرٌ يدافعهُ، وإنما مجموع ما فيه من ضمير يدفعه نحو الأسفل دائماً. عينه ليست عين عقاب ترقب السماء وتطمح لها، بل عين خنزيرٍ لا تبرح الأرض لطبيعةٍ دنيئةٍ رضيت بها …

لذّة

لأنه يُخذل في كل عامٍ مراتٍ عديدة، حشد لهذه الأمنيةِ أحوالَ قلبه واستحضر لها كل عدّتهُ وعتاده وراحت تلهج بها جوارحه وتتردد على لسانه وهو غادٍ ورائحٌ بين مكةَ والمدينة، وبين صحنِ الطوافِ والروضةِ النبويةِ الشريفةِ، وبين المسعى ومسجدِ قباء. يتهادى بين هذه الأماكن المباركةِ ولسانهُ لا يزال رطباً من سؤالِ الله إياها.في زمنٍ مضى …

مُوظّف

يستخف بكل إنجازٍ مهنيّ يراه من حوله، وعامل الزمن لا يعنيه منه إلا الفترة ما بين توقيت دخوله وخروجه من الدوام، وكل ما وُهِب من مهاراتٍ وامكانياتٍ وفرصٍ هي عنده رهينة الانتظار وحبيسة الأدراج. آهٍ منك يا هذا الموظّف.رنين منبه الصباح يؤذي روحه أكثر من سمعهِ وينشر فيها التذمّر والملل، وينزل على نفسيته نزول المصيبة …

حُلم

الصخرُ الذي يتفتتُ ليس كمثلِ عزيمته، والهمّةُ التي لا تعانق السحابَ لا تليقُ به، والحُلم الذي لم يتحقق وكان يطلبه مسرعاً، لقيَ منه حتفه.أولدته الحياةُ ثم هي عنه تخلّت، وهي بذلك تشبه أمهُ التي بعد أن أنجبته مات عنها زوجُها فلم تطقِ الحياةَ بدون رجلٍ يكون لها مصدرَ قوةٍ وحياة، فاختارت أن تكرر التجربة وتتزوج …

عَصريّة

في يوم المرأةِ العالميّ، احتفلت بها جداريّةُ الشركةِ التي تعمل فيها بملصقٍ جميلٍ يحمل رسالةً تقول “لكِ مكانة”، ونبتَ بفضل التهاني والأمنيات المتنوعةِ على مكتبها الوردُ والحب، و تأنثت الأشياءُ ومالت و تغنّجت في صباح ذلك اليوم المؤنثِ بإجماع العالم كله.. بل وتكاد تتغنج وتتأنث وتميل نحوها كلُ الأشياءِ عندما تشرق هيَ على الشوارعِ والممراتِ …

عُكّاز

كان دوماً مضربَ مثلٍ على الأدبِ وحُسنِ الخلقِ وسماحةِ النفسِ صاحُبنا داوُود. يشبه بتمثلهِ وبخُلقهِ رمزيةَ تمثالِ الحرية بالنسبة للأمريكان المهووسين بطلب الحريّة والدفاعِ عنها حتى نصبوا لها تمثالاً والتفّوا حوله. وداوُودٌ كذلك التمثال برمزيّته لحُسن الخلقِ والأدبِ والسماحةِ بالنسبة لمحيطهِ وأغلب أبناء مجتمعهِ الذين يعرفونه عن قُرب فالتفّوا حوله وأحبّوه. هذا النحيلُ الذي لا …

صيحةُ ميّت

في حيّْ متواضع الإمكانيات وبين أناسٍ متواضعيّ الطموح وفي بيئةٍ متواضعة الفُرص، كأنّ الدنيا قد قُسّمت بين أهل ذلك الحيّ بالتساوي، حيث الكل يقبعُ في دائرة من الفقر مغلقة، نشأ سعد المُلهم.. وقد قلّده والداه هذا الإسم طمعاً منهما في أن يعيش ويسعد. وذلك كان منتهى أملهم فيه وآخر حدود سعادتهم به، لأن الطبيبَ قد …

أتصبرون؟

لطالما تململتُ من الانتظار عند إشارات المرور وفي طوابير الحياة المختلفة، طابور صعود الطائرة، وطابور الكافيتريا، وطوابير الإشارات الضوئية، وطوابير الدخول والخروج الكثيرة.. وأشد تلك الطوابير على نفسي وأكثرها قسوة، طابور الانتظار عند أقسام الطوارئ، عندما تضيق الدنيا بفسحتها ولا تستحضر نفسي وعيناي إلا هذا الانتظار الممل أمام عيادة الطبيب. وعندما أشتد عودي واستوعبت نفسي …