فتنة

نفذ الضوء من موضع تلتقي فيه دفّتي الستارة؛ نفذ كعين اللص برفقٍ وحذر قبل التسلل إلى المكان. فما أن نصّف الغرفة إلى نصفين وقد كانت قطعة واحدة من ظلام دامس، حتى قمت وفرّقت بين دفّتي الستارة، فآن له أن يتمدد بحريّةٍ في الغرفة ويطيش فيها طيش الأطفال. رسم بقعةً على الأرض وانعكس على المرآة واخترق …

لماذا نكتُب؟

قديمًا كانت الكتابة أمرًا يحتاج إلى ما يبرّره. فتجد مقدّمات كتب التراث تحكي في أصلها سبب كتابة الكتاب، وكأن كتابة أي شيء لابد لها مايبررها عند صاحبها و إلى النّاس. والكتابة في ذلك الزمان ليست هي التي أردنا الحديث عنها اليوم، لأن الكتابة عُرفت أول الأمر في كأداة ثقافية رفيعة متداولة في نطاق ضيّق كـ …

كُرسي الوظيفة

حين أسند ظهره إليّ كان مملوءًا بالفرح وبدا أثقل مما هو عليه حقيقةً. وقد كان للتو أنهى مراسم التعيين في اليوم الأول من الوظيفة. أُعطي نبذة عن المكان، وسُلّم هديّة رمزيّة طُبع عليها شعار المنظّمة، وأُعطي جهازه الشخصيّ، وحُدّد لك مكتب بين عدّة مكاتبٍ تتشارك طاولةٍ بيضاء عريضة، وفي نهاية المطاف وقع الاختيار عليّ لأكون …

شقيٌّ

الأمر كلّه لله، إن شاء هدى وإن شاء اجتبى وإن شاء أضل وأشقى. والسعيد من هداه الله واجتباه، والشقي من أضله وأشقاه. أما بعد: فقد مرّ بي أن رجلًا طاعنًا في السنّ، أناخت الحياة رِكابه، وأعاضته عن حركة قدميه بكرسيّ يسمّونه "متحرّك". يائسٌ من الحياة ونافضٌ يده منها، قد رمته الأقدار في حضن لا دفءَ …

حُب

يندُر أن تشتعل في قلب رجلٍ منطقيّ التفكير العاطفة. ولمّا تُدرك أن هذا الرجل يعيش في نجد، ذات الطابع الصحراوي الجاف، وتربّى على العادات الرجوليّة الطاغية، وترعرع بين رجالٍ أشدّاءٍ يعرفون عن القسوة والجفاف أكثر بكثير مما يمارسون الرفق واللين، ونشأ في مجتمعٍ يقمع الحُب وينتصر للعلاقة منزوعة المشاعر؛ تُصاب بالذهول مما آل أمر صاحبنا …

عشر سنين

في مقالة بديعة من كلية هارفارد للأعمال عُنونة بـ كيف تقيس حياتك؟، ذكر الكاتب في معرض الحديث عادةً استمر عليها لما يقارب العشر سنين. فلما وجد أثرها على حياته وأنها كانت تعمل عمل المقياس الدقيق لحياته، قرر مشكورًا مشاركتها مع القراء. كانت العادة هي عبارة عن ثلاثة أسئلة يخصص لها من يومه ربع ساعة مذكِّرا …

قلبًا وقالبًا

في الفيلم الصادر حديثا عن ديزني لاند inside out أو قلبا وقالبًا، مشاعر تختلج داخل عقل فتاةٍ صغيرة ويحاول كلٌ من هذه المشاعر السيطرة على الفتاة والتحكم بردود أفعالها. المشاعر كانت كالتالي: فرح، حزن، غضب، اشمئزاز، خوف. وكان المسيطر الأكبر هو الفرح، بحكم صغر سن الفتاة والتي لا تعرف من الحياة إلا اللعب واللهو والفرح. …

وأذّن بالنّاس

الحديث عن الحج متّصل وعريض، ولا أظن القارئ بحاجةٍ لمزيدٍ من التفصيل حول أهمية الحج وفضائله الكثيرة. ولكن الذي دعاني للكتابة عن هذا الأمر هو تجربتي الشخصية ونظرتي المتواضعة لما شاهدت وعايشت خلال الأيام الماضية في رحلةٍ نسأل الله لها القبول وأن يُوفق صاحبها لـ الحج المبرور والسعي المشكور والذنب المغفور، ومن يقرأ. كنت جالسا …

الفشل وشجرة الخُلد

المنعطفات الكبيرة في حياة الإنسان تحرّض على التغيير أو حتى البداية من جديد. فكلنا ذلك الرجل الذي مع بداية العام الجديد يخطط للعام ويضع أحلامه الكبار في دفتره الخاص بشكل قائمة من التحدّيات، ويتكرر الأمر عند بداية حياة زوجية جديدة أو مشروع عمل أو وظيفة أو حتى عقد جديد من العمر. حتى أولئك الذين يكتب …

كلام..

تساءل أحدهم عن مغزى الصمت قائلًا: "الحروف لا تُورّث، لمن تدّخر كل هذا الكلام!!".. وأنا من أولئك الذين لا يجري بلسانهم الحديث جريانًا متصلًا إلا في مواضع قليلة، وهذا التساؤل لصدقهِ ووضوحه جعلني أراجع علاقتي مع الكلام، وبالأخص مع بنات حوّاء. المرأة تحب الحديث وتطرب له، وتبتكر لتفتّق الحديث على لسانها طرقًا عدة وربما سلكت …

الأنا والآخر

وجود هواية أو حرفة أو اهتمام بشيء ما خارج الإطار المهني (ماشية، زراعة، رسم، مكتب عقار، طلب علِم، طبخ.. إلخ)، من شأنه أن يخفف من وطأة عدم الرضى –الذاتي- أو عدم التقدير -من الآخرين-. في الغالب، عدم التقدير يُنظر إليه بعين الاهتمام أكثر بكثير من عدم الرضى، لأن عدم التقدير مرتبط بالآخر، والإنسان لطالما بحث …

يُوسُف

في قصّة يُوسف أشكالٌ من المواساة تحتضن المؤمن من اتجاهات حسّاسة وشديدة التأثير فيه. مواساة تجاه غدر المقرّبين، ومواساة تجاه الهوان على الناس، ومواساة تجاه فتنة النساء وكيدهن. في باب الغدر يجدر بنا أن نستشهد بهذا البيت الموفّق من الشعر النبطي لـ ياسر التويجري: كل طعنة تجي من كفّ أخوك الصديق..تعتبر بـ أي موضع من …

كُرسي المراهقة

أجلس يا ولد.. صاح المعلّم رافعاً صوته وملوّحا بالعصا. أنا رجال يا استاذ.. رد عبيد المراهق بصوتٍ جهوريّ! لم تعد تخيفه العصا، ولم يضطرب لصراخ المعلّم قلبه، وكأن شعرات شاربه ودقنه اللاتي برزن مؤخراّ كانت بمثابة الوتد في ريح عاصف. استقر بجسده فوق ظهري الأحدب. لقد رافقته خلال الأعوام الثلاثة الماضية وشهدت تضخّم أعضائه وثخونة …

عاميّة

استيقظ على رنين هاتفه تنناني تنناني تننانينااااي.. هلا أبو غازي“هلا أبو مفلح، شلونك طيب”تمام، قالها متثاقلا، استرق نظرةً الى الساعة، يبدو انها كانت قيلولةً أطول من المعتاد.“أبيك تستلم عني بكرة، انا رايح حفر الباطن”أبشر بس عسى ماشر؟“أم غازي على وجه ولادة، اذا جاء ولد اسميه يمكن عليك” ضحك بسخريةلا تسميه عليّ مطفر حتى ماعندي حق …

جداريّة الحارة

أنا الذي كتب المجهول على صدري.. وحرّكت كلماتهُ كلّ من قرأ.. هذا أنا في أقصر تعريف وإن أردت الإطالة، حدثتك عني بإسهاب في النص الآتي: يكون المرء في بداية مراهقته في مجتمع القرية أشبه بالانسان الشفّاف، الذي يمرّ مروراً لا يشعر به أحد. فلا هو ذلك الطفل المدلل الذي يُحتفى به وتُطبع على خدّه القبلات، …

ســارّه

لم يكن لها من اسمها نصيب، بل لم يكن لها من الحياة نصيب.. وهي التي تعيش صراعاً مع أحزانها بينما الناس من حولها فيما بينهم يتصارعون. ملطّخة أكفّ الزمان بدمعها الذي تجففه إشراقة الشمس كل صباح وما أن يلف الأرض الظلام حتى يبتل كل شيء حولها بدمعها الحار. تبكي نفسها وتندب حظّها وتهمهم بين حين …

هاكر

يُعرّف الـ "Hacker" باللغة العربية بـ كلمة لا تصفه بشكل دقيق. إذ نسميّه مخترِق، وهو مفهوم بات مؤخراً مرتبطاً جداً بالفضاء التقني بشكل خاص. بينما الـ "هاكر" فعليّا له حضور في كل الفضاءات من تقنية، وقانونية، واجتماعية، وما شابه. ولنفهم حقيقة هذا الشيء، يجب تعريفه أولاً. فـ كلمة "Hack" باللغة الإنجليزية تعني شيءٌ يسمح به …

كُرسي

صوت الجرس يُنذر الضيوف الجُدد، وبالمقابل تطبطب عليهم أصوات الآباء وأيديهم. يقتاد كل أبٍ ابنه في أول يوم دراسي إلى حيث الفصول الدراسية ويهمس له بين الفينة والفينة: يا بطل، يا قوي، ياولدي. والأطفال بين مصدّق ومكذّب، أحدهم مُرسل دمع عينه والآخر يحبسه على مضض. والبُكاء معدٍ فما أن يجهر به أحدهم حتى تتعالى الصيحات …

منديل:

أصبحنا وأصبح الملك لله.. نهض صاحبنا وتحسس الرخام البارد بباطن قدميه وهو لا يزال يجلس على حافة السرير ونور الشمس يتسلل برفقٍ من فتحة المكيف.. برغم تحفّظه على ضوء الشمس هذا إلا أنه لم ينزعج لهذا التسلل الرقيق بل كان يتوقّعه. وعاد بالذاكرة إلى حيث كانت زوجته تسميت لاقناعه باستبدال مكيف الشباك بمكيفٍ عصريّ يعمل …

مُتخبّط

ابيضّت عيناه من المسّ، وتشنّجت أطرافه حتى كأنها قطع من خشب، وتسرّب لُعابه من على أطراف شفتيه كمن أصابه الصَرع وانعقد لسانُه فلم ينطلق بشيء أكثر من الآهات بعضها يردف بعض. يضمّه شيطانه ضمّةً تشبه ضمّة القبر حتى إذا ظنّ روحه مغادرةً جسده لا محاله، خلّى بينه وبين نفسه. ثم أعاد عليه الكرّة بعد الأخرى …