وجوه

يقول الشاعر فهد الوهَبي واصفًا العلاقة مع ربّه:

أجي له بوجهٍ ساير النّاس ما شافوه .. على شان وجهٍ ساير النّاس عارفته

تحتاط لنظر العين حين تلتقي بمن قصّرت في حقّه أو قصّر هو في حقك. فأما تقصيرك فتستحي منه وتخشى عتاب الآخر، فتضطر لتشيح بنظرك هنا وهناك لعل اللحظة تمر، ثم تأمّل أن يأخذكم الحديث إلى حيث يُتناسى معه ماجاء منك. وأما تقصيره هو، فأنت بكرمك ورقيّك تماري وتشيح بنظرك حتى لا تضطرّه للأسف وتقديم العذر، وكأنك تقول له من حيث لا تنظر في عينيه أن ما فات مات. هذا في أفضل سيناريو بين اثنين. والغالب أن هذا لايحدث. وأن العتاب يتسيّد المشهد، وأن الملامة تأكل وجهك أو وجهه، وأنّ الخزي يعتريك أو يعتريه. والكريم لا يضطرّك للاعتذار وهذا مذهب أصحابه قلّة.

فما بالك بعلاقةٍ تقصّر فيها كثيرًا وتجيء إليها بوجهك كله، بل تهرب إليها والتقصير منك كبير. تذهب إليها بكل ما فيك ولا تجد في ذلك حرجًا ولا تفكّر للحظةٍ أن ما قدّمت قد يؤثر على ما أنت مقدمٌ عليه. تذهب إليها وأنت موقنٌ بأن ذهابك هذا بحد ذاته يدمح الزلّة ويعيد الأمور كما كانت وأفضل مما كانت. تذهب إليها لتشكتي من نفسك. وأي علاقة هذه التي تشتكي فيها من نفسك؟ العلاقة مع الله. الله ولا أكرم ولا ألطف ولا أرحمَ من الله.

يحدّثني أحدهم، أن بعض المسرفين على أنفسهم يدعون الله، ألا يستحون. يتساءل ببداهةٍ هذا الصديق وسؤاله شحذ الهمّة لأدلي بدلوي في هذا الباب وهو باب عريض أعرض من السموات والأرض، كيف لا وهو عن رحمة الله.

الشيطان مستميت ليقنّطك من رحمة الله، فهذا الذي يتساءل وإن كان من أهل الخير إلا أنه لم يعرف الله حق معرفته. القاعدة أن الكل عباده، فهو رب العالمين والكل يرجوه ويدعوه، مسرف ومقتصد وسابق بالخيرات، الكل يدعو. والشاذ هو الذي لا يدعو ولا يرفع نظره إلى السّماء وإن ظنّ أنه يستحي من الله، فقد استدرجه الشيطان لهذا المأزق ولن يخرج منه حتى يعود كالطفل بين يدي والديه. يجيئهم حين يُحسن ويركض إليهم حين يسيء ولا يظن بهم إلا خيرًا. هذا هو الشكل الطبيعي للعلاقة بين الإنسان وربه، وقد صوّره الشاعر أجمل تصوير وعرضه أجمل عرض وقرّبه كلّ تقريب لسائر النّاس.

والشاعر هُنا كأنه استحضر اليوم الذي سيلقى فيه ربه ويسأله: لما عملت كذا وكذا؟

فحتى لا تجيء لحظة عتاب على مرأى ومسمعٍ من جميع الخلائق، آثر أن يذهب لربّه ويتوب إليه قبل ذلك اليوم. فاللهم اجعلنا من الذين سترت عيوبهم وغفرتها لهم.

وبالمجمل هذه العلاقة هي أسمى علاقة وأقرب علاقة وأصدق علاقة، وهي علاقة من طرفين من جهة المحبّة. فما أحب العبد ربّه المحبة الصادقة التي على نهج نبيّه والصحابة الكِرام إلا بادله ربّه المحبّة وأغدق عليه من نعمِه الظاهرة والباطنة. وهي علاقة من طرف واحد من جهة المصلحة. فليس لله مصلوح في أن يعبده العبد ويتقرّب إليه، إنما هي أعماله يردّها عليه إن خيرًا فخير وإن شرّا فشر. الله غنيّ عن العبد والعبد لابد مفتقر إلى ربه سواءً كان كافرًا أو مسلمًا، الكل له عبيد وله مفتقرون، فقر اضطرار لا فقر اختيار.

أضف تعليق