
يُعرّف الـ “Hacker” باللغة العربية بـ كلمة لا تصفه بشكل دقيق. إذ نسميّه مخترِق، وهو مفهوم بات مؤخراً مرتبطاً جداً بالفضاء التقني بشكل خاص. بينما الـ “هاكر” فعليّا له حضور في كل الفضاءات من تقنية، وقانونية، واجتماعية، وما شابه.
ولنفهم حقيقة هذا الشيء، يجب تعريفه أولاً. فـ كلمة “Hack” باللغة الإنجليزية تعني شيءٌ يسمح به النظام بدون قصد أو نيّة من مصممّيه. وتعني أيضاً، حركة ذكية في ليّ أعناق قواعد نظامٍ ما ليعمل لصالح هدفٍ لم يكن مقصوداً من الأساس. وفي المثال يتّضح المقال: استخدام المعلاق الخاص بالملابس في التلفزيون القديم ليحل محل ملتقط الإشارة، تعتبر بالنظر للتعريف “hack”.
فأي منتج صُمم لهدفٍ ما، ثم استخدم لهدف آخر لا صلة له بما صُنع له، يعتبر “Hack”. فيما سبق كانت هنالك طريقة ذكية لجعل الهاتف الذكي موجهاً وناقلاً لإشارة الانترنت، ثم لاحقا أصبحت هذه خاصية موجودة في كل هاتف “hotspot”. أي أن الهاك لا يعد غالبا أمرا خارقا للقانون، أو عملية غش صريحة. بل في الأغلب الهاك هو مزيح بين الغش والإبداع، أو منطقة محايدة بين هذين المعنيين.
مفهوم الـ “هاك” هو ما يجعل بعض المحاميين أشهر من غيرهم، لانهم فهموا نظام عمل قانونٍ ما، ثم بذكاء وخبث لطيف استطاعوا جعل النظام بدون قصدٍ من مصمييه، يخدم مصالح موكّليهم. فـ الـ “هاك” بشكل عام هو يتمثل في إيجاد “النقاط العمياء” في كل نظام، سواءً كان تقنيّا أو قانونياً، أو اجتماعياً، ثم جعله يعمل بطريقةٍ تخدم فئة معينة أو شيء معيّن لم يكن مقصوداً أو معنيّاً من الأساس.
فهذا الذي يسرق كلمة سرية لشخص آخر ثم يستعملها لدخول حساباته وتحويل أمواله، لا يعتبر “هاكر” بالمعنى الذي وضحناً، بل يعتبر غشاشاً أو محتالاً، أو ماشابه. بينما الذي بذكاءٍ وإبداعٍ وشيءٍ من خبث المحتالين، يفهم طريقة عمل النظام، ثم يتفوق على مصممه بأن يأتي بخياراتٍ لم تؤخذ بالحسبان، يعتبر هاكر.
والهاكرز نوعان: أولئك المبدعين الذين وصفنا، وأولئك المتطفلين الذين يستخدمون إبداعات المبدعين وينفذونها من دون تفكير وتحليل. ولكي تنجح أي عملية تهكير: لابد من وجود ثغرة “نقطة ضعف” في النظام، وآلة تُستخدم للاستفادة من هذه الثغرة.
فمثلا الأبواب الأوتوماتيكية، تفتح لأولئك المصرح لهم، ثم تغلق خلفهم بطريقة أوتوماتيكية جميلة. والثغرة هنا، هي في المدة مابين دخول المصرح له وانغلاق الباب. فلطالما استخدم المتسللون هذه الثغرة بـ تتبع أولئك المصرح لهم والدخول خلفهم مباشرةً بدون أن يُتحقق من هوياتهم أو أن يُصرح لهم بالدخول.
قد لا تكون نقطة الضعف هذه شيئاً معقداً، وقد تكون أمراً معقداً يستغرق الأيام والأشهر والسنوات لاكتشافه. فالأمر كله متروك لإبداع المبدعين ومدى حرصهم على التسلل إلى نظامٍ ما.
أما الآلة المستخدمة لاستغلال الثغرة، فـ تختلف باختلاف نوعية الـ “هاك”. ففي القانون تكون الآلة بسرد الحجّة أو ضرب المثال، وفي الفضاء التقني تكون غالبا في شفرة برمجية تستخدم لاستغلال ثغرة في النظام التقني.
وبالنظر إلى الفهم العام لكلمة “هاك” و “هاكر” لا نجد أن كلمة “اختراق” و “مخترق” دقيقة في وصف الفعل والفاعل.
“خرق” في المعجم العربي تأتي بمعانٍ منها:
- مزّق، كأن يقال خرق الشيء الثوبَ
- ثقب، كأن يقول قائل خرق الحائط
- جابَ: خرق البلاد طولاً
- هاجمَ: خرق الجندي صفوف العدو
- اختلق: خرق الكذبَ
وتأتي صفةً بمعنى الحُمق، كأن يقال خرق الولد، أي حمُق أو أتى أمراً أحمقاً.
أما اختراق فتأتي بمعانٍ كـ:
- مر من خلال الشيء:اخترق فلان الصفوف
- وصل إلى: كـ اخترق الكلام مسامعه
- نفذ في الشيء: اخترق السهم الجسم
فكلمة خرق واخترق ومخترق، كلها تدور في فلك النفوذ من الشيء وثقبه وتجاوزه، بينما كلمة “هاك” لا تعني نفوذا وثقباً وماشابه. هي تعني الأتيان بجديد لم يكن مقصوداً من الأساس. والهاكر هو من يأتي بهذا الجديد بطريقة ابداعية لا تتعارض دائماً مع القانون بشكلٍ صريح. عندما افتح اليوتيوب واكتب “life hacks” أجد كثير من الغرائب التي لا تخترق الحياة كما يُمكن أن يُترجم حرفياً، ولكن تقلب قوانينها بما لا يتعارض مع قانونها العام، وينحصر أثرها في الاتيان بالجديد والغريب والمثير.
وفي ظنّي أن وصف مخترق تنطبق على بعض الهاكرز وهم أولئك الذين يتسللون إلى الأنظمة مستخدمين إبداعات أشخاص آخرين “script-kiddies”، بينما أولئك المبدعين يجب أن يُطلق عليهم مسمى آخر. لا أجد في جعبتي ولا في مهاراتي اللغوية القدرة على صُنع هذا المسمى واختلاقه من العدم. قد تكون كلمة هاكر معرّبةً هي أصدق وصف حالي في يدينا، كـ كلمة سيبراني، وهي في الأساس تعريبٌ حرفي لكلمة “cyber” الانجليزية.
