لِسان آدم

كان أبونا آدم عليه السلام يتحدث العربية في الجنة، وهذا بإتفاق علماء الأمة المتقدمين وعلى رأسهم ابن عباس. أما رأي ابن جني وهو عالم من أئمة الأدب والنحو، فـ مختصره أن الله علم آدم جميع اللغات والألسن من ضمن ماعلمه “وعلم آدم الأسماء كلها” (سورة البقرة).. ويعتقد أن التعددية اللسانية هي الواقع أول الأمر، وكان آدم وذريته الأولى متعددي الألسن، ويعتمد استخدام لسان على لسان أو لغةٍ على لغة حسب الأمزجة والظروف والأحداث. ولم يكن على آدم تعليم أبناءه الألسن، وإنما كانت هبات من الله له ولذريته الأولى، وكانت بمثابة علم من العلوم الضروية للعيش على الأرض.. أو أنها كانت لغة واحدة بمترادفاتٍ كثيرة جداً كانت هي اللبنة الأولى لكل اللغات المنطوق بها حالياً، وإلا لماذا يبتدع الإنسان لغة جديدة وهو يملك لغة تامة من الأساس؟ لاحاجة للإتيان بلغة جديدة، لان الهدف من اللغات كلها هو التواصل، وتوصيف الحال، ونقل المعلومة، وهذه موجودة في كل اللغات، ولاحاجة للإنسان لأن يبتدع لغة جديدة فيها إمكانيات لا تتوفر في أخواتها.. بإستثناء العربية!

أما القول الثاني في مسألة اللغات ولسان آدم، فهو كالتالي:

آدم الذي كان يتقلب في نعيم الجنة، ويتحدث بلغة أهلها، وهي العربية، كان منه ماكان، وأُهبط إلى الأرض، فنزعت منه كل صفات أهل الجنة، ومن ذلك لغتهم. فنزل إلى الأرض وهو يتحدث السيريانية، ومنها تفتقت ألسن كثير ولغات أكثر.. وصار الحال إلى ماصار إليه.. واختلف في مسألة من أول من تحدث العربية على الأرض، وكان الإختلاف محصوراً بين النبي إسماعيل عليه السلام، ويعرب ملك اليمن. والشاهد أن يعرب هو أول من تكلم العربية، وأول من قال الشعر، وأول من ركب الخيل لأنه ثبت في السيرة أن إسماعيل تعلم اللغة العربية من قبيلة جرهم العربية التي جاءت من اليمن بعد إنهدام سد مأرب وتفرقهم في الأرض.

يعرب كان مزدوج اللغة، وأول من ترجم الكلام من لغة إلى لغة. وكيفية إنفتاق لسان يعرب باللغة العربية مجهولة، ولكنها غير مستحيلة مع الله، الذي أنطق الهدهد، وهدى النملة لقول ماقالت وتحذير أخواتها في عهد سليمان عليه السلام. إذاً نستطيع أن نقول أن يعرب أٌلهم اللغة العربية، فانطلق بها واصبح المترجم الأول والشاعر الأول.. ويعزى إليه القصيدة الأولى التي تغنت بها البشرية:

تغيرت الارض ومن عليها.. فوجه الارض مغبر قبيح

تغير كل ذي لون ووطعمٍ .. وقل بشاشة الوجة المليح

وجاورنا عدو ليس يفنى .. لعين لا يموت فنستريح

أهابيل إن قتلت فإن قلبي .. عليك اليوم مكتئب قريح

ومعنى يعرب أي يُعرب ويفصح بوضوح عن فكرته. وبما أن الأنبياء لايقولون الشعر، رجح أن يعرب هو أول شاعر على هذه الأرض، والشعر يشبه البشرية الأولى، منظمة وتشد بعضها بعضاً، أم النثر الذي جاء متأخراً، فيشبه الخلائق من بعد، متناثرين ومشتتين جغرافياً ولسانياً..

فعندما نزل القرآن باللغة العربية كان ذلك بمثابة إعادة الناس إلى عهدهم الأول، إلى حيث المنظومة الواحدة التي يشد بعضها بعضاً، فانتشر الإسلام وانتشرت العربية، وكان من خصائص هذه اللغة إرتباطها الشديد بآخر الأديان السماوية، وآخر الرسالات. وكأنه نداء شديد اللهجة لتعلم هذه اللغة والدخول في هذا الدين الذي يسع الجميع، والعودة به إلى الأصل، حيث كان أبونا آدم، في الجنة.

وختاما نذكر المقولة الرائعة للكاتب عبدالفتاح كيليطو الذي زيّن بها إحدى صفحات كتابه “لسان آدم”..

درجة فوق السريانية توجد العربية، ودرجة فوق النثر يوجد الشعر، ودرجة فوق الفرس يوجد الفارس!

أضف تعليق