
في أحد الأيام الماضية كنت في حديث شيّق مع أحد الأصدقاء واستهوتني نظرته لأزمة كورونا وجانحتها العالمية. فكان مما يعتقده سبباً لإفتعال أزمة عالمية كهذه هو تسريع عملية الإعتماد على الأنترنت، وتسريع عملية نقل المعلومات للسحابة الإلكترونية بشتى الأشكال. وهو بإعتقاده هذا ونظرته الشبة مؤامراتية مع قصوره المعرفي في مجال الأنترنت والتقنية بشكل عام، قد أضاف إلى الأزمة بُعداً جديداً أحببت أن أناقشه في هذا المقال لتعم الفائدة..
منذ مطلع التسعينات وظهور الإنترنت والحوسبة بشكل كبير والإنسان في معزل عن أخطار التقنية فيما يتعلق في حياته، ومجتمعه ووطنه ككل، وكذلك الخطر القائم إتجاه الأشياء حوله محصور في عوامل عدة. منها عطل الأشياء، عدم توفرها، محدوديتها، عدم قدرته على إمتلاكها. ولنضرب مثلا على السيارة.. السيارة الآن تعمل بميكانيكية معينة وتستخدم الأنترنت بشكل مصغر في تطوير عملها وتسهيل حياة الإنسان في التعامل معها.. هي تعمل بالوقود، وتتحرك بواسطة الإنسان، وتتوقف عن العمل بواسطة الإنسان أيضاً، وهي لاتزال شيئا الإنسان محكمٌ سيطرته عليه، فهو إما أن يقودها بسرعه أو بهدوء، ومايحدث للسيارة من حوادث وأعطال هي نتيجة لطريقة إستخدامه لها. ونستطيع أنه نصفه بأنه يملك مقاليد هذا الشيء..
ولكن في المستقبل القريب ستكون السيارة عبارة عن كمبيوتر يعمل على شكل سيارة. أي أنها ستكون آلة حوسبة تستخدم في التنقل من مكان لآخر. وهنا المحك.. فلو أن إنساناً أو شركةً أو دولةً حول العالم الكبير أكتشف ثغرة أو خطأ معين في نظام السيارة، سيستطيع من خلالها منعك من الإستمتاع بسيارتك وقيادتها حيثما أردت وأينما شئت.. سيستطيع إنسان في أقصى الأرض أن يحرمك من الأكل المخزن في الثلاجة، وسيقطع عنك الهواء البارد الذي يجود به عليك مكيفك، وسيقفل الأبواب دونك حتى لا تستطيع ولوج بيتك ورؤية أطفالك.. ستكون محاط بالأخطار التي لا تراها، ولا تستطيع حماية نفسك منها أو تقليل ضررها.. ستكون نسبة الخطر أعلى، ونسبة السيطرة عندك أقل بكثير مما هي عليه الآن.. وهنا سيصبح الأنترنت عامل خطر كبير يهدد حياة الإنسان في كثير من مجالات الحياة..
هذا فيما لو افترضنا أن الشركات المصنعة والدول العظمى لم تتدخل وتستخدم هذه الأشياء لفرض أجندتها أوتهديد حياة الإنسان بشكل مباشر وهذا لو حدث سيشكل خطراً أعظم..
والأمر الأهم والذي قاد صاحبنا لإعتقاده بأنها مؤامرة لتسريع عملية الإعتماد على الأنترنت هو المعلومات. المعلومة كما يشاع حالياً هي العملة الأهم في العالم الآن، وهي تساوي أو قد تتجاوز قيمتها قيمة النفط الذي هو وقود الأشياء وعموده الفقري.. فلا تتحرك الأشياء من حولنا إلا بإستعمال النفط الآن، أو الطاقة بشتى أشكالها.. فمن سيحرك الأشياء مستقبلاً؟
ستعطى جوالاً مجاناً مقابل معلومات يحصيها هاتفك عنك ويشاركها مع مصنّع هذا الجوال، ستعطى ثلاجةً مجانا مقابل الشيء نفسه، وغسالة وتلفاز وإلى آخره.. ستحولك الأشياء من إنسان بلحمٍ ودم إلى معلوماتٍ هائلة تتعامل معها خوارزميات ذكية جداً تستطيع تحديد سلوكياتك، وطريقة عيشك، وكمية المال الذي تملك، وجميع الأشياء التي تحب، وكذلك التي تكره، سيصبح لك ملف تعريفي يشارك مع أصحاب الشركات ورؤوس الأموال حتى يتلاعبون بك، ويجردونك من إنسانيتك ومن أموالك..
الخصوصية هي السر الأعظم الذي امتاز به الإنسان منذ أُهبط على الأرض، وهي الآن في خطر.. تحتضر نوعاً ما.. وعملية تسريع نقل الأشياء إلى الأنترنت هي عملية سطو على خصوصية الإنسان، وامتهان لهذه الخصوصية التي ميزه بها ربه الذي خلقه..
“ولاتجسسوا” يقول الله عز وجل في كتابه، وشياطين الرأسمالية تمتهن هذه الرذيلة وتضخم أموالها عن طريق التجسس..
لا أستبعد مطلقاً أن تكون هنالك مؤامرة خلف هذه الأزمة، وقد تكون أزمة حقيقية لكن شياطين الأنس استغلتها لإنعاش مصالحها بغض النظر عن طبيعة هذه المصالح، سواء كانت تقنية، إقتصادية، سياسية، أو حتى إجتماعية..
