أنا خيرٌ منه

(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) ..

بهذه العبارة كان إبليس أول العنصريين وزعيمهم والأب الروحي لهذه المنتنة.. ومن ثم ورِثها من ورثها من أبناء آدم الذي مورست عليه أول عنصرية عرفها التاريخ والإنسان.

حتى أن آدم عليه السلام كأنه آمن بفوقية إبليس، وبأفضلية النار على الطين.. فكان منه أن استمع لوسوسته وصدقها.. واتخذ القرار الخاطئ.. وأكل من الشجرة، ثم أُنزل إلى الأرض، وتسلمت ذريته راية العنصرية وتتشبث بها لتستفيد منها في صراعاتها التي لا تنتهي..

ثم حدثت عملية الإنقسام المستمرة، وابتليت كل شعوب الأرض بهذا الداء..  

فالرومان اعتقدوا أن البشر فريقان، سادة وعبيد..

والفرس افترضوا أن كل إنسان ابن نسبه وحسبه.. فالفلاح يبقى فلاح، والنجار يبقى نجار، والسيد يبقى سيد..

أما الهنود فابتكروا نظرية الطبقات، والتي تنص على أن طبقات الشعب أربعة: الحكماء وهم رأس الأله، والملوك وهم ذراعه، وحرفيّون خرجوا من فخذه، والخدم الذين هم قدم الإله..

و الأغريق كانوا يعتقدون بإنسانية بعض البشر ويحتقرون الآخر، أو كما كان يعتقد الفيلسوف الأغريقي أرسطو أن البشر فئتان، منهم من لديه عقل وإرادة وحرية، ومنهم من لايتمتع بشيء من هذه المعاني..

والعرب قومٌ من هذه الأقوام كان لهم من هذا الداء النصيب الأوفر.. دخلوا نفق العنصرية لعقود من الزمان، ثم جاء الإسلام واخرجهم منه حتى سادوا وقادوا، ثم نكصوا على أعقابهم وألقوا بأنفسهم في وحلها من جديد..

وأما الشكل الحالي للعنصرية فيتمثل بـ عنصرية أمريكا.. والتي تبدو واضحة وجلية بين طرفيها الأبيض والأسود.. وبين المحركين الأساسيين لإقتصادها العالمي الغني والفقير.

هذا فعل البشر وقولهم وافتراؤهم على بعضهم البعض، والله تعالى يقول في محكم التنزيل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

معيار عادل جداً وضعه الله للناس ليحتكموا إليه.. معيار الأفضلية بالتقوى.. ومن يتق الله لا يمكن أن يكون عنصرياً. لا يمكن أن يظلم المتقون عباد الله بنظراتهم، وبالهمز واللمز..

**

كم من الناس عقدنا بينه وبين أنفسنا مقارنة ليست على معيار الله، وخلصنا بسرورٍ إلى “أنا خيرٌ منه”.. سواءً أعلناها أم كتمناها ظنّا منا أنه من التقوى وحسن الخلق.. وتناسينا الحدث..

كم من الشعوب أو الأقطار أو الدول نحتقرها ونكنّ لها حقداً وكرها شديدين منشأهما العنصرية؟

كم من الناس ازدريناه بالقول أو الفعل أو مجرد النظر.. ليس إلا بسبب هندامه أو جنسيته أو حتى تفوقه الذي نحسده عليه..

إن إرتباك الآخر أمام عنصريتنا يشبه إرتباك المسلم عندما يسمع كلمة “إرهابي” تخرج من فم رجل أصفر ولو لم يَنعت بها صاحبنا.. لكن ثقته دائما ماتهتز بسماعها، وتتوسع مسام جلده وتسمح للعرق بأن يتصبب، وللقلب بأن ينبض بأسرع من المعتاد، وتسمح للأصفر بأن يتبجح، وتجعل المسلم يتكتم ويتراجع ويتصنع اللامبالاة..

وإنكسار الضعيف أمام عنصريتنا يشبه إنكسار البنت التي كان يتمناها أبوها ذكراً، وهي تنقم على جنسها وتفعل المستحيل، ولكن لا جدوى.. هي ليست ذكراً فحسب.. فهانت واستكانت، وربما حقدت على كل الرجال..

التفرقة التي تخلقها العنصرية بين أبناء المجتمع الواحد كأنها الصدع في الجدار، والكسر في الزجاجة، والأخدود في الأرض.. كلها تترك علامةً فارقة، وتقسّم الواحد إلى اثنين أو أكثر..

ماذا يربكك عزيزي القارئ، كلنا لدينا نقطة الضعف هذه..

قبيلتك التي ليست ذات شأن، أم عائلتك الفقيرة؟

أم دولتك التي لم تسكنها يوماً من الأيام، أم لونك الذي لم تختره وليس بينك وبينه أي مشاعر غير إيجابية.. اعتدته وتحبه..

أم وضعك المادي، أم وظيفتك المتواضعة؟

أم قريبك الذي ارتكب جرماً فعيرتك الأيام والناس به..

تتعدد الأسباب، والشعور واحد..

محرج، مربك، وظالم..

العنصرية ظلم وإجحاف لأنها غالباً ماتنعتك بما ليس فيك.. و تنتقم منك بالظروف التي كنت جزءً منها.. لم تكن فيها صاحب القرار، وبالرغم من هذا يتهافت الناس على مظلمتك والنيل منك..

ولو نقبنا عن أسباب العنصرية لوجدنا رحاها تدور حول “الحسد والمصلحة”.. فإبليس الرجيم الذي حسد آدم، لايشبه الملائكة النورانيين الذين فقط تسآئلوا عنه من يكون..

أضف تعليق